محمد خطاب Admin
عدد المساهمات : 148 نقاط : 441 تاريخ التسجيل : 21/07/2009
| موضوع: تطبيقات ( الكايزن ) في الطفولة المبكرة بقلم : لمياء صالح السبت مايو 26, 2012 4:26 pm | |
| مراعاة عدم الهدر في الشخصية الإنسانية هو أحد السبل الكفيلة بتحقيق نجاح المجتمعات، وتطورها، ويعد من أهم جوانبها فعالية، فمن خلاله يتمكن الأفراد من تحقيق الجودة الشاملة على مستوى الكيان الذاتي، وغرس استراتيجية تحقيق الجودة في الفرد التي محورها الرئيس هو: الحد من الهدر في جميع جوانب الشخصية، وإضافة تحسينات مستمرة ذات أبعاد مستقبلية بعيدة المدى، مما يؤدي إلى تحقيق مبدأ الجودة في الحياة العامة والخاصة وينعكس إيجابًا على سير حياة الفرد الاجتماعية والمهنية على السواء. ويمكن للإنسان اعتناق هذا المبدأ والتمثل به في أي وقت وأي عمر لكنه سيتطلب منه تغييرًا كبيرًا في سير حياته وروتينه اليومي وعلاقاته الاجتماعية.
تكريس هذا المبدأ في الطفولة المبكرة والتخطيط لمناهج يُراعى فيها التزام الأطفال بتحقيق الجودة الشخصية سيحقق لنا نتائج مبهرة ورائدة في التعليم بشكل عام، وفي تعليم الطفولة المبكرة بشكل خاص. ولن يتم ذلك ما لم نجعل منه هدفًا رئيسًا من أهداف التربية، وركيزة ترتكز عليها المناهج التعليمية. فشخصية المربي لا يمكن أن تخفي عيوبًا تعجز عن إخفائها طبائعه السلوكية مثلاً، وهو أمر يؤدي إلى اتساع الفجوة بين المناهج المقدمة والقائمين عليها، مما يربك العملية التعليمية ويصيب متلقيها بإحباط شديد وعزوف عن المدرسة. خصوصًا أن من أهم القضايا وأكثرها إلحاحًا، في عصرنا الحالي: هي إعداد الموارد البشرية، وتطويرها لتواكب العصر، حيث تعتبر الموارد البشرية أهم من الموارد المادية لتقدم الدول وازدهارها. لذلك تتجه العديد من البرامج التعليمية إلى صقل وتنمية القدرات والكفاءات البشرية في جميع جوانبها في وقت مبكر لتحقيق أهداف التعليم على المدى البعيد. لذا يعد مبدأ (الكايزن) وسيلة فعّالة وهامة لإضافة مميزات مختلفة على العملية التعليمية، والبحث عن أنجح الطرائق وأحدثها لترقية التعليم وتحديثه. «الكايزن» كلمة مكونة من كلمتين: «كاي» وتعني التطوير والتغيير، و«زن» وتعني: الأجوَد. وهو مبدأ ابتكره رجل ياباني يدعى «تاييشي أوهونو» .. تستخدم كلمة «كايزن» عادةً في النشاطات التي تؤدي باستمرار إلى التحسين في جميع نواحي العمل: كالصناعة، والإدارة، والإنتاج، والتسويق. وتعمل «كايزن» على التخلص من الهدر بكل أنواعه عن طريق خطوات صغيرة جدًا ومتتالية. وهي إحدى الاستراتيجيات المطبقة في اليابان، والتي كانت في الأصل تمثل حاجة ملحة للشعب الياباني للنهوض بنفسه بعد قنبلة هيروشيما التي دمرت الطموح الياباني وسببت عجزًا اقتصاديًا وبشريًا كبيرًا جدًا. وتعد تلك الفترة أزمة عظيمة وُضِع فيها الشعب الياباني، إلا أن هذا الشعب عَرِف كيف يصنع من الأزمة فرصة للنجاح والتقدم، وأن يجعل من هذه المحنة الكبيرة منحة أضافت لدولة اليابان احترامًا منقطع النظير، وتحويلها إلى ذكرى تدل على قوة صبر وبُعد في التفكير، وتخطيط أمثل لمستقبل شعب وانتشاله من فوهة الاندثار وخطر الفناء. (الكايزن) هو فكرة مبتكرة إبداعية القصد منها التحسن التدريجي المستمر، بخطوات صغيرة جدًا، بل متناهية الصغر، بحيث إنه ينحت لنا على المدى الطويل منحوتة فنيّة هائلة الحجم، بأقل قدر ممكن من الهدر في الجهد والوقت والمال. مؤخرًا أصبحت المؤسسات التجارية وحتى التعليمية في الوطن العربي تركز على مبدأ الجودة بكل أقسامها: الجودة المهنية للموظفين، الجودة الإنتاجية والجودة التسويقية للمنتج. ويعد الكايزن إحدى استراتيجيات الجودة الشخصية للفرد أيضًا والتي تتضمن قدرًا عاليًا من تقدير الذات، والاستقامة والإخلاص في القول والعمل، والضبط الذاتي. والقيام بتحسينات مستمرة في جميع جوانب حياته لزيادة القدرات الذاتية والمهارات الفردية وإضافة تسهيلات تنظيمية لحياته المهنية والمجتمعية. عندما يُطبق هذا المبدأ في مرحلة مبكرة كمرحلة رياض الأطفال يحدث نقلة نوعية في فكر وشخصية شباب المستقبل، باعتبار أن التغيير والتطوير هو سمة إنسانية وهدف شخصي يسعى الفرد لتحقيقه في حياته العامة. والسؤال الذي يجب طرحه هو: كيف نطبق استراتيجية الكايزن في الطفولة المبكرة، باعتبارها نقطة انطلاق الأطفال إلى العالم الخارجي، ومرحلة تهيئة الطفل للتكيف الأمثل مع المستجدات المجتمعية والتطورات المستمرة ومواكبة العصر؟ والعمل بهذا المبدأ يعطي الطفل مفاتيح النجاح في الحياة، وقدرًا كبيرًا من النظام والمسؤولية والتفكير المتسلسل الإبداعي المستمر للتحسين من قدراته ومهاراته العقلية والاجتماعية والحركية. إلا أن هذا كله يعتمد على المرشد الفاعل المؤمن بهذه النظرية، والذي يسعى لتطبيقها في نفسه أولاً ليصنع من نفسه قدوة ومثالاً جيدًا للأطفال قبل أن يشرع بإظهاره لهم. كايزن الممارسة العملية في الصفوف الدراسية: عادةً يتطلب تنظيم البيئة الصفية إلى حسن تخطيط، بحيث يتم استغلال كل جزء من أركان الغرفة الصفية دون ملئها بأشياء لا ضرورة لها، بالإضافة إلى إدخال تحسينات مستمرة ولو كانت بسيطة، فدور المربية بمنزلة العين المُدققة لإعداد بيئة صفية بأفضل الإمكانيات وأقل هدر للمواد، فتستخدم أدوات مستهلكة من البيئة لخدمة العملية التعليمية، وإزالة ما لا تحتاجه حتى لا تُربك الأطفال بكثرة الوسائل والأدوات التي لا حاجة لها. بالإضافة إلى أن شعور الطفل بأنه لا يوجد على الرف سوى ما يحتاجه فقط وما يتم استخدامه لخدمة أهداف تعليمية، فإن هذا سينعكس على شخصيته وفهمه الصحيح للحياة العملية السهلة التي تسمح بتنقل الأطفال بأنفسهم من مكان لآخر فيها، وتحديد احتياجاتهم، وتقنين عملية التعلم، عوضًا عن ملء الأرفف بوسائل متعددة لا تخدم أهدافًا ولا تحقق تطويرًا بل هي مجرد شكليات وبهرجة صفيّة لا تَمُت لمميزات التعليم الحديث بصلة. وتشبه تمامًا عملية حشو أدمغة الأطفال بما يهم ولا يهم عن طريق التلقين والترديد بلا وعي ولا إدراك لماهيته. ولهذا من الضرورة بمكان إطلاع الأطفال على رغبة المربية بإضافة تحسين مستمر على القاعة الدراسية، وأخذ مقترحاتهم في ذلك؛ على سبيل المثال: التفكير بطرق لتسهيل عملية تنقلهم من ركن لآخر، أو تحسين في استخدام الأدوات الصفية في وقت قصير، أو استحداث قوانين تسهل عملية استخدام الأدوات وإعادتها، وتشجيعهم على إبداء رأيهم بالتحسينات المختلفة، ويمكنها أن تخصص يومًا في الأسبوع يسمى يوم التحسينات ليستعد الأطفال بمقترحات ومرئيات لشحذ فكرهم، وتعزيز ذواتهم، وإفساح المجال لعقولهم الصغيرة كي تخرج خارج النطاق المألوف فتعتاد الحركة والتأمل والبحث عن حلول مناسبة وأخرى إبداعية، وإعطائهم مسؤولية الالتزام الجماعي بإضافة التحسينات المختلفة ولو بخطوات صغيرة جدًا مما يضفي على التعليم مناخًا نفسيًا واجتماعيًا يتسم بالمودة والوئام والولاء التام لأنظمة وقوانين الجماعة. ومهما كانت المرشدة ودودة مع أطفالها إلا أن الأطفال يتقدمون بشكل أفضل عندما يتعلمون في كل يوم وفي كل لحظة شيئًا جديدًا ومثيرًا، ويساهمون في صياغة عملية التعلم أكثر من تلقيها، فالتحسين المستمر فرصة جيدة وفكرة ممتعة لتوفير العديد من الخبرات التعليمية المتنوعة والمتتابعة طوال العام، مما يحدث في النهاية نقلة فريدة في فكر الأطفال وعزمًا لاستكمال عملية التحسين في الأعوام التالية. الكايزن وتطور الأطفال الأكاديمي: عندما تضع المربية خطة مستقبلية لأطفالها، بعد إجراء تقييم مبدئي شامل لقدراتهم، فإن استراتيجية الكايزن تجعلها تضع توقعات ذات سقف واقعي وعملي، وتخطط جيدًا للخطوات الصغيرة المتتالية التي ستساهم في تقدمهم دون الضغط عليهم، أو توقع الكمال السريع والتام منهم، (مما يؤدي إلى إحباطهم وضعف دافعيتهم للتعلم). بالإضافة إلى أن اعتياد المعلمة على الصبر على النتائج ووضع مبادرات متتالية بعيدة المدى يضفي على شخصيتها جدّية ومثابرة لتحقيق نجاحات ذات مواصفات عالية لم تكن تتوقعها يومًا. وتشجيع المرشدة لأطفالها ودعمهم لتطوير قدراتهم بمبادرات صغيرة يسهل على الأطفال عملية التعليم والتطوير، ويحفزهم لطلب المزيد من التطوير فالطفل في مرحلة الطفولة المبكرة يكون متحمسًا للنجاح ويشعر بلذة كبيرة لتحقيقه. ففي بعض الأحيان قد تخطئ المرشدة في تقدير الخطوات المناسبة وتتعجل النتائج فتدفع الأطفال بخطوات كبيرة تفوق قدراتهم ومن ثم تقتل دافعيتهم وتطفئ لذة حماسهم للإنجاز والتطور. وبالتالي يفقد التعليم جدواه في وقت يكون الأطفال في سن هم أحوج ما يكونون فيها إلى تعليم واع ومُخطط له. ومبدأ الكايزن يعطي للمرشدة فرصة كبيرة للحوار مع أطفالها وتفعيل التعلم النشيط، ولا سيما الحوار السقراطي الذي يتم من خلاله طرح أسئلة صغيرة لتبديد الخوف وتشجيع الأطفال على الإجابة عن أسئلة بعضهم البعض، وتجاذب أطراف الحوار فيما بينهم حتى يتوقف الحوار عند رأي أحدهم لتحديد الإجابة الأمثل لحل المشكلة أو لإضافة التحسين المبكر قبل أن تحدث مشكلة. على سبيل المثال: تلاحظ المرشدة أن عملية جمع الأطفال من الملعب الخارجي تأخذ وقتًا وجهدًا كبيرًا، فتجتمع مع أطفالها وتطرح عليهم المشكلة ثم سؤالًا محددًا وواضحًا، ثم تطلب منهم حلولاً مختلفة وتدير دفة الحوار فيما بينهم بجدية وسلاسة فكل إجابة من أحدهم تمثل سؤالاً للآخر، وكل سؤال له إجابة من قبل أحد الأطفال أو حتى المرشدة. عند طرح المشكلة توضح المرشدة أن عملية جمع الأطفال تستلزم وقتاً طويلاً لأن أحدهم لا يستمع للنداء مما يؤخرهم للفترة التالية ويعيق سير اليوم (هدر وقت) وأن عملية الجمع تجهد المرشدة لأنها تضطر للنداء بصوت عالٍ والتنقل من مكان لآخر لإخبار الجميع بانتهاء وقت الملعب هدر(وقت + جهد)، لتأخذ بعد ذلك بنصائح ومقترحات الأطفال. ويختار الجماعة حلاً مناسبًا يساهم في الحد من الهدر. (التأمل وطرح أسئلة صغيرة). الحل مثلاً هو: • أن يتفق الجميع على أرجوزة ترددها المربية عند انتهاء الوقت ليعرف الجميع بأن الوقت انتهى (مبادرات صغيرة جدًا). • الاتفاق الجماعي على الالتزام بالحل في المرات المقبلة سيحمي الجماعة من تفاقم المشكلة، وأن التزام الجميع بهذا الحل بشكل دائم يساهم بشكل كبير في الحد من جوانب الهدر وهذا شيء رائع يستلزم الاحتفال به ومكافأتهم على التزامهم الذي كان له دور فعّال في سير الروتين اليومي بشكل أفضل وأسرع وأكثر تنظيمًا ومسؤولية. • تكرار نفس السؤال بانتظام في كل يوم، وكتابته على لوح أمام الأطفال واستحداث حلول مختلفة، له دور كبير في تنمية مسارات التفكير وشحذ أنواعه المختلفة كالتفكير الناقد والتفكير الإبداعي، والتفكير العلمي، والتفكير المنطقي، وعملية التأمل بالمشكلات الدقيقة. والسماح للأطفال بمشاركة المرشدة في التفكير بالمشكلات وبحلول مناسبة لها، يدفع الأطفال في المستقبل إلى الملاحظة المستمرة والبحث الجاد للتحسين التلقائي والمحاكاة السلوكية للنظام والانضباط والإحساس بالمسؤولية الفردية تجاه الجماعة وأمنها، والبحث الدائم عن أفضل الطرق للتحسين في حياتهم. كما يمكن للمرشدة أن تعرض للأطفال صورة في كل أسبوع تحتوي على مشكلة من أي نوع وتطرح لهم الصورة والمشكلة عن طريق سؤال واحد محدد، وتطلب منهم أن يفكروا في حل مناسب لحلها، مثلاً أن تريهم صورة غرفة تحتوي على كتب كثيرة متناثرة وطفل يحاول أن يبحث عن كتاب ما، وتقول لهم: إن هذا الطفل في كل مرة يريد كتابًا يستغرق وقتًا طويــلاً حتى يجده، كيف نساعده حتى يجد الكتاب الذي يريده بطريقة أسرع؟ ومن ثم تأخذ إجاباتهم وتكتبها على اللوح أمامهم. وفي كل يوم تخرج نفس الصورة لمدة أسبوع لمناقشة الحلول المختلفة، هذه الممارسة تشجع الأطفال على وضع مقترحات وأسئلة ناقدة وأخرى إبداعية، بالإضافة إلى تحفيز شقي الدماغ فالأيمن في التخيل والتصميم والأيسر في ربط الخيال بالواقع وإمكانية تحقيقه. وللمعلمة الحرية في كيفية عرض صورة أو مجسم أو حدث ما في البيئة ومشاطرة الأطفال فيه. ومع طرح مشكلة في كل أسبوع نحدث توازنًا بين شقي الدماغ عند الطفل وندربه على استخدامهما معًا في التعلم، مما يضفي على العملية مزيدًا من الإثارة والتشويق بالإضافة إلى تحقيق نموذج الكايزن وتدريب الأطفال عليه باستخدام أسئلة صغيرة محددة وحلول متنوعة ولو كانت بسيطة جدًا ولكن في النهاية ستؤدي إلى فكرة رائدة وحلول جيدة تستحق الإشادة. تقنيات تحقيق مبدأ الكايزن: • طرح أسئلة صغيرة جدًا لتحفيز عقل الجماعة على التفكير في حلول وتبديد الخوف من تفاقمها، وتبسيطها. • تحديد جوانب الهدر في المسألة التي قد يسبب تجاهلها إلى ازديادها وتفاقمها، وقد يصعب حلها بعد ذلك. • اتخاذ مبادرات صغيرة لتحقيق الحلول المقترحة والاهتمام بجميع الحلول وحتى الصغيرة منها. • منح مكافآت للإنجازات الجيدة التي تضمن تحقيقًا أمثل لسير العملية بأقل قدر من الهدر. • إدراك الأخطاء الصغيرة التي يتجاهلها البعض، وتعزيز ممارسة التأمل الذاتي لجوانب الهدر ومحاولة التفكير بطرق إصلاحها، والبحث عن الحلول المناسبة لتجاوزها قبل تفاقمها. • تعهد الأطفال بالالتزام بالتحسن المستمر يساهم بشكل كبير في رفع المقاييس النوعية لطبيعة هؤلاء الأطفال المسؤولين والمستقلين وذوي العقول المتفتحة للتحسين والتطوير مدى الحياة. تطبيق الكايزن مع أطفال ما قبل المدرسة سيشحذ همتهم لمواصلة التعليم وتطوير قدراتهم ومواكبة مستجدات الحوار بكل همة وقدرة كبيرة على قبول التغير مهما كان، إلا أن تناقض تطبيق المبدأ من قبل الأسرة سيضعف من قوة تأثيره، إذا لم يقضي عليه، لذا عندما تقرر مؤسسة تعليمية تبني هذا المبدأ هي بحاجة إلى توعية الأهالي وإقناعهم به، وتوضيح هدفه الرئيس وطرق تفعيله في المنزل والثبات عليه، وكأنه قانون اتفق على تنفيذه المعنيون بالأطفال، لأهميته وفائدته الكبيرة على سلوك الطفل وطرق تفكيره المستقبلية.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] | |
|