أخرج من الفصل مسروقة الصوت منهوبة الملامح، لا أرى ولا أسمع..
سبعون عينًا تحدق فيّ، تأكل ملامحي، وتمحو تفاصيلي، أهرب إلى السبورة، فأحس وقعها على ظهري. ولكن لا بأس! كما يحتجن وجهي، يحتجن ظهري، ليرحمهن من قسوة ملامحي، وصرامة نظراتي، ولأبقي على البقية الباقية من ماء محياي قبل أن تتشربه الأعين.
صوتي مسخر للمقررات وكلماتي مفصلة للمنهج، مركبة هي لا مبتكرة.
أركب صوتي على كلمات المقرر فتخرج السيمفونية نشازًا، صوتي لا يصلح إلا لكلماتي، أو فليمنحوني اللحن المناسب، لأطرب السامعات وأمتع الحاضرات، حتى لا يرمينني في النهاية بحبات الطماطم، ولا يحطمن خشبة المسرح على رأسي.
وإذا حدث ذلك، فهي (غلطتك، غلطتك، غلطتك!)، أين شخصيتك، أين خبرتك، أين إستراتيجيتك، وغيرها من المصطلحات البائسة.! وأقول لهن ولهم: أين نظامك؟ أين حقوقي؟ أين هيبتي! وأجيب على ذاتي لأن صوتي لا يسمعه أحد: أكلتها التعاميم، ومحتها الأنظمة، والتهمتها النظريات.
محارِبة أنا وحدي على الجبهة! إدارتي متمرسة خلف الحصون، ووزارتي خلف خلفها.
تركوني وحدي، وحدي أنا في الميدان..
فقط أسلحة قديمة صدئة، عفا عليها الزمن، لا تصلح إلا للتمثيل أو السخرية، وأوامر لاسلكية تصل من بعيد، أن: افعلي وافعلي وافعلي!..
فقط أريدهم أن يثبتوا شجاعتهم، وينزلوا إلى وسط الميدان، وقلب المعترك، وليقرروا من هناك ما يصلح وما لا يصلح، وما يجوز وما لا يجوز، وما يناسب ومالا يناسب..ولنتفق هناك في أرض المعركة، ونضع الخطة المناسبة للمرحلة المناسبة..
مخلوقٌ تنفيذيٌ تحولت!.. لا إرادة، لا رغبة، لا رأي.. كائنٌ من خشب، وليس من لحم ودم...!
(ابتكري، أبدعي، جددي، حدثي أسلوبك).. بحر الكلام وافر، وجبال الأفعال ممتنعة..
قطعة القماش الرديئة، لا يخرج منها ثوب مبدع. هي ذي الحقيقة، التي أؤمن بها. وهذه معادلة المستحيل التي تطلب مني في التعليم.
ولكن لأنني الحلقة الأضعف - أنا وغيري من معلمات - يصب علينا حميم اللوم، وتسكب علينا نيران الغضب، على كل خلل في العملية التربوية أو التعليمية.
(العملية) التي أدخلت من وقتها غرفة الإنعاش ولم تخرج إلى الآن.
من أنا؟ أريد تعريفًا، توصيفًا؟ يحل لي هذا الإشكال، أصبت بالفصام منذ ألف عام.. ولم يجبني أحد..
عملي هلامي يتمدد وقت الحاجة والمزاج، وينكمش أيضًا وقت الحاجة والمزاج..
منذ أن عُينت قبل عقد من الزمن، جميع من عبرت بهم في رحلتي الطويلة، قالوا لي: ماذا يجب عليك، ولم يجرؤ أحد أن يقول: ماذا يجب لك؟ ولن يجرؤ!
«أنت متذمرة محبطة» تقول المشرفة! وأقول: فقط أنا أغرف لكم من بحر الإحباط الذي يموج بي وحولي، لأضعه في إناء وأقدمه لكم بعد أن أضع فيه بعض أسماك القرش...
قرش الواقع الذي يلتهمني كل يوم..
وإلى أن يسخو علينا بأسماكهم الذهبية، سأظل أهديهم أسماك القرش..!